الحمد لله وكفىٰ، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى، وعلى اله وصحبه النجباء، وبعد : فان اللغة العربية أول كلام نطق به ابو البشرية (آدم) عليه الصلاة والسلام ، في الأرض، حينما عطس بعد دخول الروح فيه فقال : (الحمد)، وهي أول كلمة تلفظ بها، وكان الله وملائكته قبل ذلك يتخاطبون باللغة العربية، حين قال سبحانه : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) .
ولغة الضاد اليوم تتلقى الهجمات كل عام من اعدائها، واعداء القرءان الذي أنزل بها، وأعداء الأمة العربية فوق كل أرض، وتحت كل سماء، وليست غريبة عليهم افعاله تلك، فهم الذين قتلوا الانبياء والرسل، وهم الذين حرفوا كتب الشرايع الاسلامية المنزلة من الله على انبيائه ورسله والأمم السابقة ، مثل : الزبور ، والتوراة ، والانجيل ، وما سبقها من صحف مما ذكره الله لنا في القرءان، ومما لم يخبرنا به سبحانه وتعالى، كل ذلك حسداً من عند أنفسهم لعلمهم، إن الله أكرم أنبيائه ورسله بها، وعلى سبيل المثال : نرى اليهود، يدعون ان لغة ابراهيم ابو الانبياء : العبرية، ويقول النصارى : ان لغته : الارامية وجعلوها اقساما وفروعا .
ويدعون ان إبراهيم ليس عربياً ، وينكرون نسبه، والصواب في نسبه إنه عليه الصلاة والسلام : إبراهيم بن تارخ وهو (آزر) بن ناحور بن ساروغ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح .وفالغ هو الابن الثاني لعابر، وعابر هو نبي الله هود عليه السلام، والابن الاول هو : قحطان الذي منه توالد العرب، وابراهيم، هو : أحد ال أنبياء والرسل، بعث وارسل الى قوم بابل والكلدانيين في بلاد الرافدين، بعد الهجرة الاولى للقبائل الخمس اليمنية، وقد ذُكر إبراهيم في 69 موضعًا من القرءان الكريم، وهو نبيًا وأبًا للانبياء، ورمزًا للمسلمين، وهو الحنيفي الأول للاسلام وللمسلمين، ورسالته طوال حياته، كانت للإعلان والإعلام بوحدانية الله، ويشار لإبراهيم في الإسلام ب«إبراهيم الخليل، وأب الانبياء ».وفي كل صلاة يتلو المسلمون الصلاة الإبراهيمية في جلوسهم بعد التحيات ، وفيها الدعوة بالصلاة والتبريك لمحمد ، ولإبراهيم وآلهما عليهم الصلاة والسلام جميعا .
ونحن العرب نقول وبالبراهين من القرءان : أن اللغة الأصلية للنبي إبراهيم هي : اللغة العربية، وأنه كان يتحدث باللغة السيريانية التي تعود في اصولها للغة الآرامية المتفرعة من اللغة العربية، وأن النبي إبراهيم كان يتحدث بها مع زوجات أبنه إسماعيل وهما من قبيلة جرهم العربية، وهي اللغة الأم عندهم كما تذكر المصادر، وإنه لما آمره الله ببناء الكعبة، أمره ينادي في الناس بالحج ، في قوله تعالى : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) وبلغ صوته بني آدم الاحياء منهم، والذين لا يزالون في اصلاب آبائهم إلى يوم القيامة، إذًا فلابد أنه نادى عليهم باللغة العربية حتى يستجيبون لدعوته، هذه حقيقة اللغة العربية، وحقيقة عروبة خليل الرحمن عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .
والله جل وعلى شرفنا باللغة العربية، وأعزنا وأعز دينه بها، وذاك مما لا تريده دول الغرب خاصة، ولا اليهود ولا النصارى ولا يحبونه، ويسعون ليلا ونهارا، إلى طمسها، لعلمهم إنهم إذا نجحوا في تنفيذ مخططاتهم، فسيكون ذلك سببا الى إبعاد العرب والمسلمين عن دينهم، وهجر قراءة القران، وعدم تعلم الدين الاسلامي، وعدم قراءة كتب الدين والتاريخ الاسلامي، والى فرض لغاتهم على أبناء وبلاد العرب والمسلمين في مناهجهم المدرسية، والجامعية وفي المعاهد والمدارس العربية وتعلمها.
ولقد تنبه ولاة أمرنا وفقهم الله لهداه، وجعل أعمالهم في رضاه، في المملكة العربية السعودية، إلى ما يقوم به الاعداء، فسارعوا إلى حماية لغتنا، لغة القرءان، لغة الامة العربية، فأنشأوا المجامع والجمعيات، وعقدوا المؤتمرات لتوعية العرب والمسلمين بما يحاك ضد لغتهم، وولاة أمرنا لا يالون جهداً في سبيل حفظ لغة القرءان، لغة الانبياء، والرسل، ويدعون إلى كبح مخططات الاعداء والتحذير منها .
فهذا خادم الحرمين الشريفين، يامر بانشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الذي يُنظم “مؤتمر اللغة العربية في المنظمات الدولية” وفي المملكة سنويا. وقبله مركز الملك عَبَد الله بن عبد العزيز، وجامعات ومعاهد ونوادي وجمعيات المملكة، التي تسعى إلى خدمة اللغة العربية والاعتناء بها وحمايتها. وهذه المؤتمرات الدولية للغة العربية وآدابها – وقد انعقد بعضها في مكة المكرمة، ومثلها في الرياض وغيرها من دول العالم العربي والاسلامي .
وهذا أمير مكة المكرمة ، الأمير خالد الفيصل – وفقه الله وأبقاه – وقد عقد المجمع ، ودعى له علماء اللغة في الشعر والنثر، لعلم سموه أن اللغة العربية أبرز اللغات على الإطلاق، وأكثرها جزالة في الألفاظ والمعاني، وهي لغة الضاد والاعجاز، وهي اللغة واسعة المدى والبيان، كان العرب يتفاخرون بها وبقدراتهم على نظم الشعر، وضرب الأمثال والنثر والبلاغة بها، وحظيت اللغة العربية من اوائلنا بما لم تحظَ به لغة من الاهتمام والعناية، لأنها لغة القرآن الكريم، ولأن الله عزَّ وجلَّ اختارها من بين اللغات، ليكون بها كلامه (القرءان) الذي أعجز به من كان ومن سيكون إلى قيام الساعة، وفيها قوة البيان وفصل الخطاب .
وما الحفل الذي أقامه صاحب السمو الملكي خالد الفيصل في الأسبوع الماضي في مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في جدة، وما كلامه العزيز : (قبل أن اموت) وما العنوان الثلاثي الذي رفعه سموه على باب مكتبه الخاص : (اللغة تغترب، والعرب تحترب، والسعودية تلتزم بما يجب) ما هذا كله الا يقينا ناصعا، وبرهانا ساطعا، ينبع من فكر سموه، بأهمية اللغة العربية ومكانتها، وما القصيدة التي القاها ابو الطيب رائد الشعر والأدب السعودي المعاصر : أ.د : محمد علي العمري، الا دليلا غامرا، وحبا ازليا، وعملا شامخا، وحفاوة وارفة، ووصفا راقيا، لذاك الامير، وذلك الحفل المهيب، فليعيش ولاة أمرنا الكرماء، وليسلم شعب وطننا النبلاء، وبالعزة والفخر يسمو رائد الشعر والأدب المعاصر ( ابو الطيب)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خادم العلم والوطن :
د / عمر بن غرامه العمروي
التعليقات