لفت انتباهي مؤخرا وجود مفوض أوروبي مهمته الترويج لطريقة الحياة الأوروبية ( الغربية ) . فلماذا تحرص المفوضية الأوروبية على الترويج للحياة الأوروبية ( الغربية )؟ لو تتبعنا الحياة الأوروبية لوجدناها قائمة في الأساس على الديانة المسيحية، والقانون الروماني والفلسفة اليونانية وثلاثتها مجتمعة أو متفرقة لها الأثر الواضح في الحياة الأوروبية.
فالأثر المسيحي بما كان يحمله من تعاليم أخلاقية وروحية واتجاه نحو الإنسانية والعدالة ساعده في السيطرة والتوغل في كافة مناحي الحياة الأوروبية فنجد الأثر المسيحي في التعليم والطب والفنون واللغة والحياة السياسية والقانون والحياة الاجتماعية وغيرها، والقانون الروماني الذي تم تبنيه وتهذيبه بما يتوافق مع قيم المسيحية لا سيما بعد تحريم الوثنية الرومانية على يدي الإمبراطور ( تيدوز ) سنة 380م
وأصبحت قواعده أساسا وجزءا من الأنظمة القانونية في أوروبا وفي قوانين كثير من دول العالم، والفلسفة اليونانية يبدو أثرها واضحا في توجه الكنيسة المسيحية لنهج طريقة الفلاسفة في عز مجدهم عندما كانوا يُعدُون في مجتمعاتهم كمصلحين دينيين، وكانوا يُطالبون في عصورهم بوضع مذاهب أخلاقية تخدم الناس، لذلك نجد آثار هذا الثلاثي جلية واضحة في الفكر والثقافة الأوروبية.
لكن ما يلاحظ على هذه الحياة الأوروبية الغربية وهي التي نشأت من رحم المعاناة لا تعمل في ظل منافس لها، أو لا تقبل بوجود منافس، لذلك حاربت الفلاسفة وعدتهم من الهراطقة عندما أبدوا شيئا من المخالفة لتوجهات الكنيسة ووقفت سدا منيعاً أمام أي محاولة للخروج عليها ومزاحمتها، وبحكم امتلاك الغرب لمديا إعلامية قوية فقد انطلت على الجميع حكاية الحياة الغربية التي أصبحت في نظر الكثير من البشر فردوسا يتمنى الجميع قضاء ساعة في ظلالها الوارفة.
الحياة الأوروبية تتميز بنظرة عنصرية تقسم البشر إلى أجناس عليا، متمثلة في الرجال والنساء البيض، وأجناس دنيا، تمثل الرجال والنساء السود وما يلحقهم من أجناس من ذوي البشرة غير البيضاء. لذلك يرون أن ذلك يمنحهم كامل الامتيازات، وأن ما سواهم مجرد أقوام متخلفة همجية يقع عبء تحضرهم على الجنس الأبيض المتحضر صاحب الأفكار السامية. لذلك يبررون استعمار الأجناس الأخرى وأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لنقل تلك الشعوب من جهلهم وتخلفهم إلى عالم المدنية والتحضر الأوروبي والحقيقة غير ذلك،
وشاهدنا هذه النظرة العنصرية والنظرة الدونية مع بدء الحرب الروسية ألأوكرانية، وكأس العالم 2022 في قطر. فما تزال فضائحهم العنصرية تزكم أنوفنا، ونحب أن نؤكد أن عوالم الجنوب يعرفون الكثير عن عوالم الشمال بسبب الاحتكاك معهم وكثرة البعثات الدراسية التي نقلت كل مشاهداتهم لذلك العالم الشمالي المتميز!!! لكن على العكس من ذلك فإن عوالم الشمال تجهل الكثير عن عوالم الجنوب ( المتخلف؟ ) لعدم الاحتكاك معهم ومعرفة ما يحملون من قيم وعادات رفيعة قل أن تجد نظيرها في عالم الشمال المتحضر.
لا ننكر وجود بعض القيم والعادات الغربية القيمة، والتطور العلمي والتقني المميز، لكن لا يعطي ذلك الغرب أحقية احتقار الأمم الأخرى، والاسقاط عليهم كل الصور والأوصاف السلبية، فكل الأمم تحمل في طياتها العديد من القيم الرفيعة والعادات الحسنة. وليعلموا أن ما وصلوا إليه من تقدم كان للحضارة الإسلامية الدور الكبير في ظهوره. بعد أن كانت أوروبا تعيش عصوراً من الظلام والجهل والتخلف.
مع ظهور مؤشرات وبوادر على عودة انتعاش الحياة لبعض جوانب الحياة لحضارات أخرى منها الحضارة الإسلامية التي كانت قدوة ونبراسا ومطلبا لكثير من شعوب الأرض عندما كان المسلمون قادة العالم ذات يوم من الأيام. والحضارة الصينية والهندية وغيرها من الحضارات التي تحمل كل منها أساسا من القيم الرفيعة والعادات الفاضلة، لذلك فإن محاولة الدول الغربية الدعاية لحياتهم أصبحت ضعيفة في ظل هذا الانتعاش ولن تستطيع أوروبا ولا الغرب الوقوف أمام تقدم تلك الحضارات. لماذا؟
لأن هذه الحضارات قائمة على المشاركة ولا يضرها ازدهار حضارات أخرى مجاورة، بل تعتبر تلاقي الحضارات من أهم العوامل المساعدة على النمو والازدهار. إن سعي أوروبا لفرض عاداتها وتقاليدها على شعوب أخرى سواء عن طريق الترغيب والممارسات الناعمة حينا وربما عن طريق التهديد حينا آخر لن يجدي نفعا، لا سيما بعد تبنيهم وسعيهم لترويج عادات وممارسات شاذة لا يقبلها عقل ولا منطق، علاوة على رفضها دينيا في كافة الملل.
أن محاولتهم لإيهام الشعوب بمثالية حضارتهم والعمل على تلميعها وكأنها الملاك الذي ينزل بالرحمة فيعم نفعها البلاد والعباد، لم يعد يجدي نفعا مع ارتفاع الوعي لدى معظم الشعوب لذلك يبدوا أن نتائج ما يسعون إليه يخالف توقعاتهم بل ربما أدى إلى زيادة الهوة بين الحضارة الأوروبية والحضارات الأخرى، وربما أدى إلى محاربتها وزيادة التمسك بالقيم والعادات الاجتماعية لتلك الحضارات ورفض الحضارة والحياة الأوروبية ( الغربية ) بمجملها مما يزيد من عِزلة تلك الحضارة ولربما أدى إلى انحسارها وانكفائها على نفسها وفي محيطها.
كان من باب أولى سعي الدول الأوروبية إلى مشاركة الآخرين فيما يساعد البشرية لبناء عالم جميل يسوده الاستقرار والمحبة، العدل والإخاء، بدل العداء وإثارة النعرات الشعوبية التي لا تجلب معها إلا الخراب والدمار، وتجنب التسويق لأشياء شاذة مخالفة للفطرة السوية لا يقبلها عقل ولا منطق وتثير في النفس الاشمئزاز والنفور.
قال الحكماء: أولئك الذين ينوون أن يصبحوا عظماء، يجب ألا يحبوا أنفسهم فقط ولا أشياءهم الخاصة، ولكن فقط يحبون كل ما هو عادل سواء من قبل أنفسهم او من قبل الآخرين.. أفلاطون
التعليقات
2 تعليقات على "الحياة الأوروبية – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر"
لافض فوك
كماعهدناك في إبداع الطرح
ممنون لكم على المرور والتعليق.
وندعو الله التوفيق للجميع.
تحياتي وتقديري.