الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

صراع أم توافق – بقلم الكاتب أ. هذلول حسين الهذلول

صراع أم توافق – بقلم الكاتب أ. هذلول حسين الهذلول

 

إذا كنا متفقين على أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة. وأنها في نهاية المطاف نسبية تختلط بكثير من المؤثرات التي تنحرف بها عن مسارها الصحيح. وبأن صراع الأفكار والمعتقدات سيظل ماثلاً وواقعاً ما دامت الحياة تواصل مسيرها. فهل من الممكن بعد ذلك كله أن نرى من يجعل حياته وأيامه حلبة صراع وساحة سباق لتصفية الخصوم والانتصار عليهم؟

أم أنها دورة الحياة التي تختلف في اطوارها ومواقفها ما بين فوزٍ وخسارة ونجاح وفشل وصعود وهبوط ؟ وطالما كان السلوك نتاج الأفكار فإن من المؤكد أنّ ثلة من البشر لديهم من المعتقدات الخاطئة ما يدفع بهم نحو رؤية الحياة من منظار مختلف كما هو الحال لمن يمتلك نصاعة الأفكار وبالتالي حُسن السلوك. وعند ذلك يتضح لنا أنّ العملية برُمتها منوطة بتنقيح الأفكار والممارسات مما قد يشوبها من دخن المعتقد وغبش الرؤية.

ومن الغريب أنّ فئام من البشر لا يفهمون الحياة على حقيقتها إلا من منظار واحد هو الصراع المحتدم مع المواقف التي تعترضهم ومع الأحداث التي تمر بهم بل مع الناس الذين يتعاملون معهم. وكأنما هم في حلبة صراع يستوجب منهم اليقظة والاحتراز ودوام الاقتتال والقضاء على الخصوم. وهم على الدوام مشحونة نفوسهم بمناكفة الأخرين والدخول معهم في سباق واحتراب قد لا يوجد له مبرر في أغلب الأحيان.

ولكن ليقال عنهم أنهم أذكياء ولمّاحون وذوي فطنة لا تنطلي عليهم الحيل ولا يمكن خداعهم بسهولة. ولو كان الأمر كذلك من أنهم تعرضوا للغش والخداع للتمسنا لهم العذر في ردة فعلهم تلك. ولكن أن يكون ذلك ديدنهم على الدوام عند كل صغيرة وكبيرة بل وفي كل محفل وموقف ومع غالبية من يتعاملون معهم. فإن ذلك بلا ريب معيبٌ بحقهم ومستهجنٌ منهم ولا ينم عن عقلية سليمة تتعاطى مع الحياة واحداثها بكل تؤدة.

بل هم مع الأسف في صراع مع نفوسهم التي صورت لهم الحياة على تلك الشاكلة ما جعلهم مشحونين على الدوام قد جهزوا اسلحة الدفاع وابانوا عن رغبة مستعرة في داخلهم ومن خلال كلامهم عن شنّهم حرباً شعواء لا تُبقي ولا تذر على كل من يتعاملون معه. إنهم باختصار يريدون الفوز بكل شيء. فإن دخلوا في حوار تحول مع مرور الوقت إلى جدالٍ محتدم يستميتون خلاله بالدفاع عن معتقدهم الباطل وافكارهم المضللة وربما سعوا إلى شخصنة الحوار والتجريح بمن يعتبرونه نداً لهم وخصماً.

والاغرب من ذلك أنهم في صراعٍ دائم لا ينقطع نتيجة عوامل عدة يعيشون في ظلها. فلا تكاد نفوسهم تعرف الاستقرار والهدوء. وليس في قاموسهم معناً للصفح والتغاضي وترك الصغائر. إنهم مشغولون بحسابات الفوز لاعتقادهم أنّ الحياة صراع مستمر ولا مجال فيها للغفلة أو ترك هامش ولو كان صغيراً للتغاضي والعفو. إنّ الحياة بتنوعها وثرائها وتعدد اطيافها لا يمكن لها أن تكون مجرد صراع وعراك مستمر دون أن ننظر للجانب الآخر منها المشتمل على الإيجابية والعطاء والحب وجمال الأخلاق وحسن التعامل ومشاركة الآخرين أوقات النجاح والإنجاز وما يفرحهم ويحزنهم.

إنّ من رام الابتهاج بحياته وتطلع إلى مزيد من الاستقرار النفسي فلينقح ما قد يعتري أفكاره بين الحين والآخر من تلك المعتقدات الخاطئة التي تحيد به عن جادة الصواب وتميل به نحو نوازع النفس التي تختلط ما بين الأنانية والكبرياء واعتقاد الذكاء المفرط والفطنة المزعومة. بينما الواقع يقول : إنّ الحياة اسهل من ذلك بكثير طالما نظرنا لها بعين العقل. وليس من الحكمة في شيء أن نعادي من لا يتفق معنا ومن لا يرضخ لتوجهاتنا أو ينصاع لأوامرنا.

فالتنوع ثراء والاختلاف نعمة ومن العسير أن نتشابه في كل شيء. إنّ الصراع الحقيقي الذي يجب ان نخوض غماره هو صراعنا مع نفوسنا الأمّارة بالسوء والتي تريد منا الانجراف خلف شهواتنا ومحبوباتنا. إنّ ذلك الصراع هو ما يجب أخذه بعين الاعتبار وحشد طاقتنا النفسية والجسدية له. وما سواه لا يعدو كونه أوهام وظنون تضخمت في داخلنا فأودت بعلاقاتنا ومشاعرنا إلى مهب الريح وبتنا بسبب ذلك في تناحر واقتتال فقدنا معه دفء الاخوة ومتانة الصداقة وحسن الظن. ما افقدنا أوقات البهجة وأيام الفرح وفوت علينا فُرصاً سانحة لنشر الود وبث الحب وتقديم الأجمل عبر تعاملنا ومنطوق ألسنتنا.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *