الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

اللذة و الألم – بقلم الكاتب أ. هذلول حسين الهذلول

اللذة و الألم – بقلم الكاتب أ. هذلول حسين الهذلول
 
 
بيداء واسعة وفسيحة تفصل بين أوقات اللذة ولحظات الألم. مسافات شاسعة تحول بيننا وبين نسيان الألم والاقبال على اللذة. لن نستطيع أن ننخلع عن ربقة الألم بسهولة فالثمن الذي دفعناه كان كثيراً. لا يمكن لنا التقلب في نعيم اللذة سريعاً دون أن نكتوي بلسعات قد تكون خفيفة أو قوية من الألم. لذتنا قد تأتي على طبق من ذهب وقد تكون أندر من معدنٍ نفيس نفني أعمارنا واوقاتنا في الحصول عليه.
 
تنسحب معظم آلامنا على نفسياتنا فتعيث فيها فتكاً لمدة قصيرة أو طويلة. آلامنا تقابلنا وإن هربنا منها لتصبح دائرة معاناة تسبب لنا الضيق والحزن. ولذاتنا ربما تجيء عجلى وربما تمشي الهوينا. في بعض الأحيان تطرق ابوابنا حيناً تزورنا فجأة ودون مقدمات. الآلم الجسدية تعاقرنا لمدة من الزمن وقد تزول أو تترك نوباً ظاهرة علينا.
 
بينما آلام النفس تطيل المكث فتعبث ببوصلة تفكيرنا وتحدث هزة داخلية تفقدنا توازننا لبرهة من الوقت. نسعى للحصول على لذتنا بطرق شتى ونفني الأوقات والأفكار في الطريقة التي توصلنا بسرعة لمبتغانا. غير أننا ونحن في الطريق تنحرف بوصلتنا الأساسية عن الهدف الرئيس لوجود مشتتات عدة صرفت ابصارنا عن رؤية ما تبقى لنا. فمنا من سلك طريقاً فرعياً حاد به عن الوصول فضاعت بذلك أمنية متراكمة وحلم طري كان صاحبه يتمنى تحقيقه.
 
وكثيرا ما انقلبت الأفراح إلى أتراح وبدلاً من حصولنا على المتعة التي كنا نبحث عنها صرنا أسرى لمعاناة حلت بنا على حين غرة. لنكتب بعدها قصة الألم التي كان من الممكن أن تكون رواية الأمل. تخالج نفوسنا أمنيات شتى فتداوم حضورها وتقلق تفكيرنا وتستحوذ على نصيب الأسد من اهتمامنا.
 
حتى لنعتقد أنها على مرمى حجر وفي متناولنا غير أنّ الاقدار خبئت لنا شيئاً آخر. وعندها قد نصاب بانتكاسة نفسية لا نفيق منها سريعاً. اللذة تنادينا وتدعونا لمعانقتها والتنعم بها. غير عابئة بسياط من الألم تنتظر مرورنا بها لتلسع قلوبنا العطشى بتلك الخيبات ومرارة الانكسار. يفضل بعضاً منا عدم الاقتراب من حدود اللذة خشية أن تموج به فجأة نحو غياهب الألم.  وربما تخلى البعض منا عن جزء من احلامه وطموحه خوفاً من تعب نفسي ينتظره على قارعة الطريق.
 
ومنا من زج بنفسه بكل شجاعة واقدام على ثقة منه بالوصول. ولعلمه بأن طريق النجاح والأحلام لن يكون مفروشاً بالورود. لذاتنا والامنا على طرفي نقيض من رغبة التحقق والخوف من السقوط. وتلك سنة الحياة لا تحابي أحداً. فاللذة في غالبها مقرونة بالألم وقلما تجد سروراً لم يجتاز معاناة بأكملها او نصف معاناة. ومن النادر أن ينال الإنسان نعيما دائماً أو تعاسة دائمة.
 
بل هما صنوان لا يفترقان كثيراً فلعله إن حضر هذا غاب الآخر وهكذا. وبتلك الازدواجية تعبر بنا الأيام والسنين نحو مفاجآت لم تخطر لنا على بال وتصيبنا في ذات الوقت بانتكاسات لم نكن نتوقع حدوثها. وعندها تسلو نفوسنا على مركب الفرح وتصاب قلوبنا بمسحة من الحزن. لتتشكل من لذاتنا والامنا لوحة تجمع التضاد والترادف. فالمتعة واللذة حاضرة وطوفان المعاناة يتربص بنا مختبئاً في دروب الحياة.
 
مع الألم ينسد الأفق ومع الفرح تتسع الرؤية وفيما بينهما مسافات من المعاناة والضحك تجاذبات من البؤس والبهجة وارتال من المشاعر الدفينة والأحاسيس المتقلبة. الألم واللذة خطان متوازيان فيهما منحنيات وتعرجات فيهما تعرض لنا مفاجآت الطريق وفي اثناء سيرنا تطلعات وآمال ومنغصات قد توصلنا رغم التعب لخط النهاية وقد تحيد بنا جانباً نحو مزيد من المعاناة. لتستمر نفوسنا تتأرجح دوما بين اللذة والألم.
 
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *