لا يمكن لحقيبة السفر أن تكون مجرد وعاء من قماش وغيره فقط نضع فيها ملابسنا واغراضنا وما نحتاجه في سفرنا. دون أن تكون في نفس الوقت مستودع ضخم لما تود أن تحمله نفوسنا وتتوق إليه قلوبنا من تطلعات وأمنيات بأن يكون سفرنا سعيداً وجميلاً. سعيداً بقدر ما نأمل أن يكون وجميلاً بقدر ما نود رؤيته والاستمتاع به.
حتى وإن بدت حقيبة سفرنا عادية لا يميزها سوى حجمها او لونها. فهي في حقيقتها أكبر من ذلك بكثير. ففيها نضع أمنياتنا بجوار ملابسنا المزركشة والملونة. وبين جنباتها نستودعها طموحنا وفرحنا جنباً إلى جنب بجوار فرشة الأسنان وشاحن الجوال. وليتخيل كلٌ منا لحظات قيامه بتجهيز حقيبة سفره وكيف ترافقها مشاعر متباينة ما بين الفرح للانطلاق والاكتشاف وما بين الحزن لفراق الأحبة والبعد عن الديار. تلك المشاعر ترافقنا على الدوام شئنا أم أبينا.
سواء كان السفر قريباً او بعيداً بصحبة الأسرة أم بمفردنا. يبقى للسفر أجواءه الخاصة واللذيذة في نفس الوقت. فالاستعداد وترقب لحظة الانطلاق لا يمكن لنا نسيانها. بينما الطريق ووسيلة السفر ومحطات التوقف تبقى عالقة في الذاكرة ولا تغيب عن أذهاننا بسهولة. أما رفقة السفر فهم الركيزة التي منها ننطلق نحو بلاد جديدة وعوالم مختلفة. إنهم في الغالب اللبنة التي يرتكز عليها نجاح السفر من عدمه. وطالما ظفرت بصحبة مناسبة فاعلم أنك حصلت على تسعين بالمئة إلم نقل مئة بالمئة من الاستمتاع بسفرك.
لطالما شكلت حقيبة السفر هاجساً لدى اكثرنا وبالذات في اللحظات الأخيرة. فإما أنا وضعنا فيها من الأشياء أكثر مما تحتمل. أو أننا لم نقم باختيار الحقيبة المناسبة التي تستوعب ما نود حمله معنا. ولئن كان الكثيرون منا يرونها مجرد حقيبة لا اكثر. إلا أنها عند البعض اكبر من مجرد حقيبة. فهم في ذات الوقت يحملون معهم نفوسهم المرحة وقلوبهم السعيدة وارواحهم المتعطشة للمتعة والفائدة. إنهم يرونها كالصندوق الذي يملؤنه بالمزيد من التطلعات والآمال بأن يظفروا بسفرتهم تلك بما كانوا يأملون.
حقيبة السفر في حقيقتها ليست وعاءً اجوف نرمي بداخله ما نريد. بل عند بعضنا أداة تغيير يستخدمها للهروب من واقعه المؤلم. يستخدمها لينسى اخفاقه فتكون بالنسبة له وسيلة تجديد تجلب له التغيير. هي عند بعضنا أداة يستخدمها ليمسح ما مر به من أحداث ومشكلات. يودع بداخلها احزانه وانكساره وخيبات أمله علها تذهب بعيداً عنه فلا تعود إليه مرة أخرى. تتزاحم تلك الحقائب في السيارة بجوار بعضها او على سير التفتيش في المطار او في عربة قطار.
لتنزوي بعيداً عن أصحابها الذين ربما ارادوا التخلص منها. ولتسلم هي في الأخير من تلك النظرات الغاضبة حينا والحانقة حينًا آخر منها. مع علمها في نهاية المطاف أنها تجهل محطة الوصول ومدة الطريق. تبدو لنا بعض الحقائب أنيقة في شكلها جذابة في مظهرها جميلة في لونها. ولا نعلم ما تحوي في داخلها من اسرار وخبايا. فلربما كان صاحبها حزيناً ولربما كان وحيداً ولربما كان مريضاً. وفي الجهة الأخرى تترنح مجموعة من الحقائب لأصحاب السيادة والسعادة وربما البسطاء.
وبذلك تتفاوت محتويات حقائب السفر بما تحمله من أشياء مادية ومعنويات مرتفعة او منخفضة. فمنها الثقيل جداً ومنها الخفيف جداً ومنها الغريب في شكله ومحتواه ومنها الطويل ومنها القصير. جملة من التناقضات تبدو كتناقض نفوس أصحابها وتفاوت نظرتهم للسفر ومدى ما يحمله كل واحد منهم من تطلعات وأمنيات. كيف استطاعت حقيبة السفر أن تحتمل ذلك كله مع أنها في الأخير مجرد وسيلة ترافقنا إلا أنها في حقيقةً الأمر اكبر من ذلك.
وبمجرد اغلاق تلك الحقيبة تنطلق قلوبنا في رسم تصور سريع عن سفرتنا تلك وكيف ستكون. ترافقنا حقائبنا أينما رحلنا ولا نستطيع الاستغناء عنها على الإطلاق. لتبرهن لنا مدى عجزنا عن الانفكاك منها. سواء كانت حقيبة ذات عجلات او حقيبة نحملها على الظهر أو باليد. فهي الخدين الذي لا يتركنا ففيها وضعنا اغراضنا ومعها استودعنا تلك الأماني والطموحات بأن تجلب لنا السعادة والمتعة والتغيير. لنعود مرة أخرى ونحن اصفى نفوسنا وانقى صدوراً وافسح قلوباً مما كنا عليه.
مع حقيبة السفر علاقة وثيقة لا يمكن لنا التخلي عنها مهما كان سفرنا قصيراً او طويلاً قريباً ام بعيداً. فنفوسنا متعطشة على الدوام للسفر وقلوبنا تسافر كذلك بحثاً عن الجمال والتجديد أما أرواحنا فهي لا تستغني عن السفر. رغم ما يسبقه من تجهيزات واستعدادات وانتظار لعلمها ما يشكله السفر من تغيير كامل لحالتنا النفسية والصحية على حدٍ سواء.
التعليقات