مفهوم “الدولة الفاشلة” في العرف السياسي ظهر في التسعينات، ويعني في الأدبيات أي دولة تتولاها حكومة “حكومات” غير قادرة على القيام بالوظائف والمسؤوليات الأساسيّة لدولة ذات سيادة، مثل الدفاع العسكري، أو إنفاذ القانون، أو العدالة، أو التعليم، أو الاستقرار الاقتصادي. وبحسب المراجع العلميّة أيضاً فإن أي دولة تعتبر فاشلة حين يتفشى في أراضيها وبين سكانها العنف المدني والفساد والجريمة والفقر والأميّة مع بنية تحتيّة متداعية.
ولو طبقت هذه المحددات على الدول العربيّة ( الأعضاء في جامعة الدول العربيّة ) والبالغ عددها 22 دولة ستدهش من حجم الدول الفاشلة واقعاً، وتلك التي تسعى حثيثاً إلى الفشل بسبب التناحر وعجز المؤسسات عن خدمة الناس وتزايد الانقسامات والانغماس في خدمة المشروعات الإقليميّة والدوليّة.
وقد طور البروفيسور تشارلز تي كول مفهوماً أكثر موضوعيّة للدول الفاشلة يسميه إطار الفجوة “gap framework”. ويحدّد بهذا الإطار ثلاث فجوات أو مجالات تصبح فيها الدولة – عندما تبدأ في الفشل – غير قادرة على توفيرها. هذه الثغرات “الفجوات” الثلاث هي، أولاً: ضعف وانعدام القدرات، بحيث لا تستطع الدولة تقديم السلع والخدمات الأساسيّة بشكل فعال للشعب.. ثانياً: الأمن، عندما تصبح الدولة غير قادرة على حماية سكانها داخلياً وخارجياً.. ثالثاً: فقدان شرعيّة الطبقة السياسية عند النخب وجماهير الشعب كنتيجة طبيعيّة.
ويأتي هنا السؤال: لماذا أصبحت الدول الفاشلة في عالمنا العربي بهذا الحجم؟ والجواب الواضح هو اكتمال معظم عناصر الدولة الفاشلة في هذه الدول. ولو رأينا أحوال دولة مثل لبنان – على سبيل المثال – بوصفها في تعريفها لنفسها دولة علمانيّة ديموقراطيّة، لاتضحت مؤشرات الدولة الفاشلة في انهيار الاقتصاد، وتمزق علاقات الشعب والسيادة بين أمراء الطوائف، وانعدام الأمن، فضلاً على عجز مؤسسات الدولة في توفير الحد الأساسي من العيش الكريم للمواطن اللبناني البسيط الذي يمثل أغلب سكان الدولة اللبنانيّة.
وفي تصنيف المؤشرات العالميّة مثل مؤشر الدول الهشة (FSI) نجد أن الدول العربيّة تتنافس عاماً إثر عام على المراكز الأولى المهيئة للمزيد من الدول الفاشلة. وبطبيعة الحال تتفاوت قوة الظروف المحليّة ( الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة ) وبشكل كبير المؤثرات الجيوسياسيّة في تسريع مؤشرات الفشل سواء من حيث أسبابها ومآلاتها، أو طبيعة التكوين النخبوي في دول هشّة أخرى مثل العراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
ومن العجائب العربيّة أن النُخب في الدول العربيّة الهشّة والفاشلة بدلاً من تدارس عوامل الانهيار، وبحث سبل الإنقاذ، تفرغت إما للاستقواء بالخارج للمزيد من الانهيار، أو إشغال ومضايقة الدول العربيّة المستقرّة بملفّات الفشل والهبوط.
- قال ومضى:
لا أملك جواباً.. فهذا زمان الأسئلة.
التعليقات