قال تعالى: “وَقَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ “190 البقرة، وقال عز وجل: ” يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحَرِّمُوا۟ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ” 87 المائدة في آية البقرة.. بين لنا الحق سبحانه وتعالى ضرورة مقاتلة المعتدي ورده ولو أدى الأمر إلى الاستعانة بالآخرين على دحره، والمعتدي كما هو معروف هو من يبدأ في خلق مشكلة يتعدى ضررها إلى غيره بغض النظر عن أن يكون المعتدي متوقفا عند حدوده أو متجاوزا إلى حدود غيره. فقد يكون متوقفا عند حدوده لكنه يبيح للآخرين استخدام تلك الحدود لأذى غيره. أو قد يكون هو من يتجاوز حدوده فيتعمد الدخول إلى حدود الآخرين مختلقاً مشكلة ربما تكون وهمية لتبرير اعتدائه. وهذا النوع من البشر مذموم مكروه من الله ومن الخلق، بدليل ختم الآية بقوله تعالى: ” إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ” .
وينطبق ما جاء في آية قتال المعتدي، على ما جاء في آية الطيبات. فقد أباح الله للبشر الانتفاع مما خلق وأوجد من خيرات ونعم، لكنه لم يبح تجاوز الحدود والانتقال من الحاجة إلى الإسراف والتبذير. وعد ذلك سبحانه من الاعتداء، وبالتالي دخل المعتدي فيها في خانة المنبوذين والمكروهين. والآية الثانية ليست محل موضوع هذا المقال، وربما نتطرق لها في مقال قادم إن شاء الله، إنما يتوجه الحديث عن معاني الآية الأولى ( آية القتال ) ومطابقة ما جاء فيها على واقع الحال في هذا الزمان.
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا حربا على جارتها أوكرانيا وقال الرئيس بوتين حينها لتبرير هذا الاعتداء: أنه جاء لحماية أولئك الذين تعرضوا لما وصفه بـثمان سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية. وشدد على أن “احتلال الأراضي الأوكرانية ليس مخططاً له، وأنهم لا ينوون فرض أي شيء على أحد بالقوة”. لكن ما يتضح للعيان أن هذه الحرب قامت لتوجه هذا الجار – أوكرانيا – إلى الغرب وعدم الالتزام باتفاقياته مع روسيا وعدم رغبة روسيا في أن يتواجد حلف الناتو على حدودها مما يشكل تهديداً مباشراً على أمنها واستقرارها.
وبهذا التدخل الروسي في أوكرانيا على ما فيه من أضرار على المدنيين الأبرياء وإثارة الخوف القلاقل من تحول هذا الصراع إلى حرب نووية كارثية مدمرة لا تبقي ولا تذر، إلا أن الغرب ربما رآها فرصة ربما غير متوقعة للعمل على تدمير هذه القوة والإرث النووي الضخم الذي تمتلكه روسيا ويعمل في دعم أوكرانيا بما لم نرى له مثيلا في السابق، ويحاول الغرب استخدام أوكرانيا كبيدق لإضعاف قدرات روسيا وتحييدها، للتفرغ للخطر القادم وبسرعة الصاروخ، الذي يثير رعب أمريكا أولاً وبالتبعية الغرب عموماً. والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من معادلة أمريكا اقتصاديا بل ربما يتجاوزها في القريب العاجل، وبذلك يتخلق نظام عالمي جديد لن تكون لأمريكا اليد الطولى في توجيهه لوحدها.
وعند إمعان النظر واستكشاف الحال نجد ما هو أفظع من حرب روسيا / أوكرانيا، وهو احتلال غاشم لدولة عربية مسلمة لا حول لها ولا قوة ولا يزال هذه الاحتلال جاثماً على صدور ما تبقى من شعبه والغرب يناظر ولا يرجف له جفن على الرغم من استمرار هذا الاحتلال منذ عقود لكننا لم نشاهد هذه الهبة من الغرب في التعامل مع هذه الحالة، كما تم التعامل مع المسألة الأوكرانية.
إن ما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني لهو أشد فظاعة من حرب أوكرانيا، والمقارنة بينهما ضرب من الخبل، فحرب أوكرانيا ما تزال في بدايتها وبالدعم الغربي لأوكرانيا ربما يطول أمدها ولن يتحقق للروس الكثير مما كانوا يأملون فيه. لكن احتلال فلسطين قام على أشلاء شعب دمرت بلادة واحتلت أرضه وشرد شعبه ولم نرى حسيب ولا رقيب على هذا الاعتداء الصارخ، كما لم نرى فرض أي عقوبات أو حتى التنديد بالمجازر والانتهاكات التي حلت بالشعب الفلسطيني.
وإنني هنا أتسائل عن الشعارات والمثل الغربية وحقوق الانسان بعد انكشاف عوارها وبيان سوءتها مع بدء الحرب الروسية / الأوكرانية ونرى بما لا يدع مجالاً للشك تحقق مقولة الكيل بمكيالين بصورة واضحة فجة لا غبش فيها، والسقوط المدوي لتلك الشعارات والادعاءات. لا أعلم هل أرثي لحالهم أم أشكر الرئيس بوتين الذين بين للعالم زيفها وأن ما كانوا يتبجحون به من المثل والشعارات التي صكوا آذننا بها ليل نهار إنما كانوا يستخدمونها سلاحا لتبرير أفعالهم واعتداءاتهم ومشجبا لتعليق تدخلاتهم في شؤون غيرهم.
لقد اتضح ذلك وعرف الجميع أن تلك الشعارات هدفها الصريح والواضح خدمة مصالحهم فقط، فما يهم في البدء هو صاحب الشعر الأصفر والعيون الزرق، ومن بعدهم الطوفان. تسقط الأقنعة عندما تنتهي المصالح، ولكن الدنيا تدور والوجوه تتقابل من جديد في ظروف مختلفة عندها لن يكون هناك أقنعة جديدة لارتدائها.
طبتم وطابت أوقاتكم بالمسرات.
M1shaher@gmail.com
التعليقات