الإثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ شوال ١٤٤٦ هـ

ما أشبه الليلة بالبارحة – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

ما أشبه الليلة بالبارحة – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نتج خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ( سابقا ) في كيفية إدارة ما بعد الحرب، وكان لاختلاف الفكر بين هاتين القوتين ( الشيوعي والرأسمالي ) الأثر الكبير في تعزيز هذا الاختلاف، فسعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاصرة كل ما يمت للفكر الشيوعي بأي صلة والتضييق عليه، وعلى الطرف الآخر كذلك عمل الاتحاد السوفيتي على دعم الحركات الشيوعية حول العالم خاصة أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا. خلال هذه الحرب الباردة حدثت عدة أزمات أوشكت في بعض الأحيان إلى الصدام بين القوتين، وكانت أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962 ربما الأكثر سخونة في تلك الحرب، فقد بدا العالم حينها وكأنه على شفير حرب نووية.

كوبا في الأصل كانت حليفاً وثيقاً لأمريكا حينما كانت تحت قيادة الديكتاتور اليميني الجنرال باتيستا، الذي تم الإطاحة به في ثورة قادها فيدل كاسترو، وقد ذهب كاسترو بعد الاستيلاء على السلطة إلى الولايات المتحدة لتأمين دعم واشطن، لكن الرئيس إيزنهاور رفض التحدث معه. مما أتاح الفرصة للعدو اللدود الإتحاد السوفيتي لاغتنام هذه الفرصة وعرضوا على كاسترو الدعم لحكومته الجديدة، وعلى الرغم أن كاسترو لم يكن شيوعيا قبل ذلك إلا أنه مع توطد العلاقة مع الاتحاد السوفيتي ومن خلال الصداقة مع الزعيم السوفيتي خروتشوف وحكومته آنذاك انجذب إلى الفكر الشيوعي. مما كان له الأثر القوي على سياسات كاسترو وتوجهاته المستقبلية، فقد عمل كاسترو على تأميم كافة الشركات الأمريكية في كوبا ورفض دفع التعويضات عن ذلك، وهكذا أصبح لأمريكا حديقة شيوعية في باحتها الخلفية.

ومع اشتداد هذه الحرب ومخافة حصول ما لا يحمد عقباه من اندلاع حرب مدمرة بين هاتين القوتين سعى الجانبان إلى التهدئة، مما مهد لانتهاء هذه الحرب الباردة في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بوصول الرئيس ريغان إلى السلطة والذي كثف الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتي، مما اضطر معه الرئيس السوفيتي غورباتشوف إلى تقديم مبادرات إدت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991 تاركاً المجال للولايات المتحدة الأمريكية لتصبح شرطي العالم والقوة العظمى الوحيدة.

لم يوفق هذا الشرطي في مهمته، فقد اندلعت في حضرته عدد من الحروب التي لا يستطيع أحد أن يبرئ الولايات المتحدة من وجود صله لها بتلك الحروب وإثارة القلاقل في كثير من الدول. ولتورط أمريكا وانشغالها بهذه الأزمات الدولية وانشغالها بنهب ما تستطيع من خيرات تلك البلدان، أصبحت الفرصة مواتية لظهور قوى جديدة عالمية تنافس الولايات المتحدة الأمريكية هذا النفوذ، استغلت عدد من الدول انشغال أمريكا بنفسها وبكونها شرطي العالم الذي يحق له ما لا يحق لغيره، فطورت تلك الدول من قدراتها الاستراتيجية والاقتصادية حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تسنم قيادة العالم في هذين المجالين. وأصبح تحالف بعض هذه الدول مع بعض يمثل تهديداً مباشراً للهيمنة الأمريكية التي أصبحت في وضع يصعب عليها قبول مشاركة الآخرين في تلك الهيمنة.

لكن لا أرجح نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على الأمر، لأن الأمر أصبح خارج السيطرة، والرصاصة اذا انطلقت لا يمكن إيقافها. أصبح هناك قوة وريثة لترسانة عسكرية مدمرة طورتها على مدى عقود من الزمن، وقوة أخرى اقتصادية استطاعت بقدراتها البشرية من الوصول إلى حد التساوي مع الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا بل ربما تتجاوزها في القريب العاجل. وبالتالي يعلن العالم انتهاء الهيمنة الأمريكية وتساوي الفرص مع قوى أخرى موازية لا تقل عنه قدرة وأهمية.

والذي أرجوه أن تنتهي مغامرة أمريكا في جعل روسيا تهاجم أوكرانيا، كما انتهت مغامرة الاتحاد السوفيتي في أزمة الكاريبي، ويتجنب العالم حربا نووية مدمرة تأكل الأخضر واليابس. كما نأمل أن يغلب الجميع مبدأ نشر السلام والأمن في ربوع العالم، ويتجهون للبناء والاستقرار بدلا عن الترويع والهدم.

 

 

التعليقات

تعليق واحد على "ما أشبه الليلة بالبارحة – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر"

  1. اللهم آمين
    اللهم انك عفو تحب العفو فعف عنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *