الإثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ شوال ١٤٤٦ هـ

جاء على بالي (1) – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري

جاء على بالي (1) – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري

 

جاء على بالي أحكي لكم قصة توقفت عند أحداثها التي أعجبتني ودعتني للتفكير .. ففي يومٍ من الأيام طلب مني أحد الاصدقاء أن أقدم له خدمة بالذهـــاب إلى مكان مخصص لبيع “نشارة الخشب” فقلت لا مانع من الخدمة إذا كانت ممكنة، وفي ذات صباح وعند الساعة العاشرة صباحا انطلقت إلى الموقــــــــع الذي لا يوجد في “تحديد المواقع” كونه في منطقة جزء منها غير مسفلت فتوجهت على الوصف التقريبي، وعندما اقتربت من الموقع سألت أحد المارة عن المكــــان المحدد فوصف لي المكان ولكنني وصلت على التخمين كذلك، فوجدت عدة مواقع متباعدة ولكنها متقابلة، وترجـــلت من سيارتي، وفي مكـــــــــان غير مسفلت والرياح تعصف بالرمل.. طرقت باب أحد المواقع وهو باب خشبي متهالك فلم يرد أحد ولم أسمع أي صوت ولم أرى بعيني سوى بعض القطط التي تـــــدور في المكان، فتوجهت إلى الموقع الأخر فلم أجد سوى عامل بعيد عن موقعه ولم يستجيب للمجيء، ومن ثم توجهت للموقع الثالث فوجدت العامل متواجد بموقعه واقتــرب مني وسالني باستغراب عن سبب مجيئي لهذا المكان، وأجبته بنفس درجة الاستغراب بأني جئت لشراء “نشارة خشب” لإسطبل خيل لأحد الزملاء ومن ثــــــم اقتربت من مكان عمل “النشارة”بعد أن سمح لي بذلك، فوجدت العجب الذي لم اتوقعه من حيث الجهد والتعب وتحمل هذه المصاعب والجو الحار والرمال والغبار الذي يهب في كل لحظة، وقمت بسؤاله عن طريقة عمل هذه النشارة.. فقال نشتري الخشب المتهالك من المقاولين ومن مناجر الخشب غير المستعمل، والذي لا يمكن استعماله وقصاصات الخشب الصغيرة، ومن ثم نضعها في بركة ماء وهذه البركة حسب ما رأيت تقدر بحوالي خمسة عشر مترًا طولًا وعرضًا، ونغمرها بالماء لمدة اسبوع كامل حتى تتشبع بالماء، لأنها جافة جدًا وتعدم الألة وقت عمل النشارة، وبعـــــد أن تبقى في الماء هذه المدة تُخـــــــرج من الماء وتوضع في بركة أخرى وهذه البركة مختلفة عن البركة الأولى فهي أكثر ارتفاعا تصل إلى ثلاثة أمتار ارتفاعًا، ويوضع أسفل منها بما يقارب المتر “شبك” يعمل على تصفية الماء المتقطر من الخشب، وأسفل هذه البركة مخرج للماء، ويبقى هذا الخشب بهذه الطريقة مدة أسبوع ثاني للتجفيف، ومن ثم ينتقل العمـــل إلى المرحلة الثالثة وهي استخراج الخشب من البركة الثانية، ويوضع بالقرب من الألة التي تعمل على نشره، وهذه الألة عبارة عن حديد مصنوع على هيئة صحن مستطيل وأسفل منه منشار بعرض هذا الصحن الحديدي، ومن ثم توضع الأخشاب في هذا الصحن ويشغل المنشار أسفل منه فيقوم بنشر الخشب من الأسفــــل حتى ينتهي، وينزل الخشب المنشور”النشارة” إلى الأسفل من خلال فتحة في آخر الصحن الحديدي من الجهة الأخرى لوقوف العامل، وبعدها تبدأ مرحلــــــــة أخرى هي مرحلة التعبئة، فيقوم العمال بتعبئة النشارة في أكياس كل كيس يعبأ بخمسة كيلو من النشارة، وهذا الكيس لونـــــــــه أخضر ولم أعرف سر اختيار اللون الأخضر بالذات حيث أن جميع الأكياس لونها أخضر حيث سألت العامل فقال لي : لا أعلم أيضاً. وللنشارة نوعين : النوع الاول “صغير الحجم” والنــوع الثاني “كبير الحجم” أما صغير الحجم فيستخدم للطيور والدواجن حيث يوضع أسفل منها، وأما النشارة ذات الحجم الكبير فتستخدم للدواب والخيـــول لوضعها أسفل الحيوان، وبعد التعبئة ينتقل العمل الى المرحلة الرابعة، وهي مرحلة التخزين في مكان مضلل حفاضا عليها من الشمس التي قد تغير لونها أو لون الكيس من الخارج، وبعدها يكون البيع، ومن ثم التصديرعبر شاحنات تحمل خمسمائة كيس في الدفعة الواحدة. وهكذا انتهت قصتي التي وجدت فيها شي من المتعــة والتعرف على معلومات جديدة، وتعرفت من خلالها على كيفية عمل هذه النشارة التي لم أتوقع يوماً من الأيام أنها بهذا الجهد المضني وأنها تحتاج إلى كــــــل هذا العناء وأن ورائها أناس يعملون من أجل لقمة العيش في أماكن غير مأهولة وغير صحية من حيث الرمال والغبار وشطف العيش، وهذا يجعلنا نتفــكر في نعم الله علينا وعلى ما نعيش فيه من خير وصحة وعافية وما نحن نتقلب فيه من رغد العيش الكريم، ومن أراد أن يرى ويتعلم فأماكن الدروس كثيرة وماعليه إلا أن يزورها بنفسه ويرى بعينيه مما فيه الآخرين من كفاحٍ وعناءٍ وجهدٍ يستحيل عليه أن يعمل مثلها أو جزء منها، فلله الحمد والشكر على ما أنعم بــــــــه علينا في بلادنا من الصحة والعافية والخير الوفير، وإلى لقاء آخر في مقال وقصة أخرى باذن الله .

 

التعليقات

2 تعليقات على "جاء على بالي (1) – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري"

  1. ما ارووووعك ابحرت معك في المشهد وتصويره لنا بكلمات تسحر القارئ ومعاني تجذب المشاعر اسعدك الله في ما تقدم ونفع الله بك وبعلمك

  2. التسلسل المنطقي والمنظم -لقصة نشارة الخشب- يجعل عقل الفرد يتجول في فكرة الكاتب وماذا يريده من القارىء، مقال غاية في الروعة من قائد -سبق أن عملت معه- عادل وصاحب رأي وفكر مستنير، نعم عديدة ومتنوعة تستحق الشكر من الإنسان، ففي بشائرنا نستحضر الشكر لما أنعم به الله علينا. على النقيض، عند حزننا وتعبنا نستحضر الصبر فهو خير معين .

    شكرا أبا زياد🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *