مبادرة رائدة أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في سبتمبر الماضي ضمن المبادرات الرائدة لرؤية المملكة 2030، هي استراتيجية تطوير منطقة عسير تحت شعار “قمم وشيم”، لإحداث نهضة تنموية شاملة بقيمة إجمالية تصل إلى 50 مليار ريال، تشمل استثمارات متنوعة ومشروعات حيوية تركز أساسا على تطوير صناعة السياحة في تلك المنطقة التي اختصها الله سبحانه وتعالى بالعديد من المزايا التي تجعلها مؤهلة لتصبح واجهة سياحية متميزة، ليس على مستوى المملكة فقط، بل وعلى الصعيد الإقليمي.
فالمنطقة كما هو معلوم تمتاز بتنوع نباتي فريد، وأجواء معتدلة على مدار العام، ومرتفعات خلابة، وقرى أثرية متعدده ، فهي تضم أكثر من 4275 قرية تراثية، و651 موقعاً مسجلاً في السجل الوطني للآثار، وتنتشر في شوارع مدنها وقراها مشاهد البيوت القديمة التي يعود تاريخها إلى مئات وآلاف السنين، وتقف شاهدا حيا على وجود حضارة عريقة.
وتركز خطة تطوير المنطقة التي ترمي لجعل عسير وجهة سياحية عالمية على مدار أيام السنة، تستقطب أكثر من 10 ملايين زائر، على استغلال الطاقات والإمكانات الهائلة التي تتمتع بها المنطقة في مجال السياحة، واستثمار نقاط القوة وتعزيزها، وتطوير كافة العناصر المساندة، حتى يجد السائح ما يتطلع إليه، ومشاهدة المحميات والبيئات الطبيعية المتفردة. والاستمتاع بالمناظر الطبيعية، والتعرف على التراث الثقافي، والتقاليد الراسخة التي يحرص السكان عليها والتي تشير إلى قوة وترابط المجتمع.
ومما يبعث على التفاؤل بنجاح هذه الخطة التطويرية أنها اعتمدت على معطيات واقعية، واتبعت الأسلوب العلمي الحديث، واستصحبت الواقع بكل مفرداته مع التطلع إلى واقع مشرق، حيث استعانت هيئة تطوير عسير بشركة عالمية متخصصة هي ( بوسطن كونسلتينج جروب ) التي كونت تحالفا دوليا ضم عدة شركات أجنبية ومحلية أسهمت كل منها بدراسة وقدمت رؤيتها الخاصة لكيفية تحقيق الأهداف المقترحة، ومن ثم تم أخذ خلاصات تلك الدراسات وصياغتها في مشروع واحد.
ليس ذلك فحسب، بل تم الاستماع إلى وجهات نظر السكان والمختصين ومؤسسات القطاع المحلية لاستشراف آرائهم، بوصفهم المستهدفين الأساسيين من خطط التنمية، وتم عقد لقاءات منفصلة مع تلك الجهات وأقيمت العديد من ورش العمل وجلسات العصف الذهني واللقاءات الجماعية التي خرجت في النهاية بتصور متكامل.
لذلك فإن أمام إنسان عسير فرصة ذهبية لكتابة التاريخ وتحديد مصير أجياله المقبلة، وذلك بالتفاعل الحي مع هذا المشروع التاريخي، ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا إذا شمر كل منا عن ساعد الجد، وبذل ما في وسعه لأجل إنجاح الخطة التطويرية وتحقيق أهدافها، وأن تشارك جميع شرائح المجتمع في هذه المهمة، كل في مجاله وحسب وسعه، لأن الخير سيعم الجميع بإذن الله.
وعلى رجال الأعمال بصفة خاصة تقع المسؤولية الكبرى، وذلك بالتسامي فوق المكاسب الشخصية، وعدم التركيز على الأرباح العاجلة والاهتمام بالمصالح التي سوف تترتب على المدى البعيد، فهذه النظرة الاستراتيجية هي التي نحتاجها للتعامل مع مثل هذه المشاريع التي يرجى منها أن تغير وجه الحياة في المنطقة وتضمن مستقبلا أفضل لأجيالنا.
التعليقات