* من المسلمات التي يدركها كلُّ ذي لُبٍّ بأن ثقافة الأمم وموروثها الفكري والأدبي والثقافي الذي تتوارثه الأجيال المتعاقبة هو نتاج لما بناه الأوائل على أسسٍ راسخةٍ وقِيَمٍ نافعةً للتعايش ويأتي في مقدمة تلك المبادئ والمُثُل ما جاء به ديننا الحنيف باعتباره دين الوسطية الصالح لكل زمان ومكان .
* غير أن الواقع المؤلم والانتكاسة المخيفةً التي بدأت تهيمن على حياة شبابنا نتيجةً لبعض الممارسات القائمة على التقليد والمحاكاة للمجتمعات الأخرى، فمن الرزايا التي ابتلي بها مجتمعنا في الوقت الحاضر تلك البليَّةٌ المضَاعَفةٌ تحت مسمّى ما يطلق عليها ( منصات المشاهير ) في وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، فتلك الوسائل للأسف أضحت السبيل الذي يرسم مصدر ثقافة وأفكار معظم شريحة الشباب إلاَّ من رحم الله ، بينما هذه الشريحة يفترض أن يتم إعدادها للمستقبل الإعداد الأمثل .
* أقول هذا بعدما ابتلينا ببعض الأشخاص وقد خرجوا علينا بفكرٍ عقيمٍ ومنطقٍ هابط وانحدارٍ لغويٍّ مزعجٍ فمن يلاحظ انكباب الشباب على مواقع التواصل وهم يقضون جُلَّ أوقاتهم على أجهزتهم اللوحية أو هواتفهم المحمولة لمتابعة جديد ما يعرض على بعض التطبيقات لأولئك (المشاهير) وعلى وجه الخصوص تطبيقي تويتر وسنابشات .
* وعندما أصف ذلك بأنها رزّّية مضاعفة فل مبرراتي في إطلاق الوصف، فأما المبرر الأول فلأن ما ينشر من مشاركاتٍ جوفاء هو أقرب للتفاهة والسخف وتنحصر الغاية منها في الإثارة اللحظية فقط لجذب أكثر عددٍ ممكنٍ من المتابعين دون أن يكون هناك المحتوى النافع والمادة ذات المردود الايجابي على ثقافة وأفكار المتلقي وينمِّي وعيه ويبصِّره بالجديد والمفيد.
* وأمَّا المبرر الثاني فهو إطلاق مصطلح المشاهير فقط على من يستمدُّون شهرتهم من الفنّ كالغناء، أو التمثيل، أو ركل الكرة – بالطبع فأنا هنا لا أعترض على ممارسة الرياضة أو تقديم الفنون المتعددة كالرسم والتمثيل والغناء – وجميل أن يكون لنا حضورٌ في مختلف الميادين لكن أن تختزل الشهرة في أرباب هذه الممارسات في الوقت الذي يزخر حاضرنا المشرق بمن يستحقون أن تكون لهم الأسبقية في نيل ألقاب الشهرة وما أكثرهم، فهناك مبدعون من الجنسين في مختلف العلوم وفي الطبّ وفي الإدارة وفي الأدب وفي الطيران .
* ومن المفارقات التي تنبئ عن المزيد من الخيبة أن هذه الممارسات أصبحت وسيلةً تدر الملايين على أصحابها فقد أصبحوا للأسف حديث المجالس ويتصدَّرون البرامج الحوارية في الفضائيات بطرحهم الفارغ فكراً ومحتوىً، وذاك لعمري خطرٌ داهمٌ باعتبار الشريحة المستهدفة هي شريحة الشباب من الجنسين والتي تشكل ما يزيد عن 65- 70 % من المجتمع.
* ثمَّ إن هناك حقيقةً غائبةً – أو مغيَّبة – وهي تساؤلٌ يحتاج منا كمجتمعٍ أن ننقّب جيداً عن الإجابة الشافية إذا أردنا تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة عن هذه الشهرة الضارّة والمشاهير الأكثر ضرراً على المجتمع وبالذات على النشء. والتساؤل هو: من الذي أوصل هؤلاء الى هذه المكانة الوضيعة من تدني السقف الفكري لديهم وشجَّعهم على استخدام المفردات الهابطة فقط لكي نضحك أو بالمفهوم الدراج نطقطق ؟؟ ألسنا نحن كمجتمع لأننا لم ننكر ذلك ؟؟*
* أم أن إتاحة الفرصة لهم من خلال بعض وسائل الإعلام غير المنضبطة ساعد على استفحال هذه الظاهرة ؟؟ في الوقت الذي ننسى أننا نهدر فيه أوقاتاً ثمنيةً بالإمكان أن تستثمر فيما هو أجدر وأجدى، وًحتماً لو لم يجد من يطلق عليهم المشاهير التجاوب والمتابعة والتسهيلات لمشاركاتهم لتواروا وربما تيقّظوا الى أهمية تصحيح مسارهم.
* ترنيمة :
نعيبُ زمانَنَا والعيــــــبُ فينا .. وما لزماننا عيبٌ سِوانـــــا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ .. ولو نطق الزمانُ لنا هجانا
التعليقات