في أحدى السنوات كنت زائراً لدولة مجاورة، وكنت محب للأماكن التراثية التي تذكرني بالماضي الذي كانت تعيشه مناطق الخليج العربي، قررت زيارة احد المقاهي الشعبية، وعندما سألت عنها وجدتها في مكان ليس بعيد عن سكني، وعندما وصلت الى المقهى الشعبي وجدت به كل شي تراثي وأثري وأحسست بأني أعيش في زمن ليس بقريب، وبعد ان دخلت المقهى.. جلست على كرسي خشبي وأمامي طاولة خشبية مربعة وطلبت الشاهي الأحمر
وأخذت التفت الى جواري فوجدت الجالسين من كبار السن وقد رُسم على وجوههم ذكريات من الزمن الجميل، وهم يتحدثون فيما بينهم بلهجتهم الخليجية، وبعد ان تعرفت على مافي المقهى ومايدور فيه، كان أمامي جريدة ورقية.. فاخذت أتصفحها وأتعرف على أخبار البلد الذي زرته، وعندما وصلت الى الصفحة الاخيرة، شدني موضوع أعجبني في ذلك الوقت وعلق في ذاكرتي فأحببت أن أقصه لكم..
والموضوع عبارة عن قصة “ثور” لأحد المزارعين في العراق قُطع جزء من ذيلة بسبب مهاجمته من بعض الكلاب الشرسة التي تحاول أكله.. الا انها لم تنجح في ذلك بسبب تدخل صاحبه بعد أن سمع خوار الثور ونباح الكلاب،
وفي اليوم التالي قام المزارع بالتطبيب للثور الجريح مما أصابه من أنياب ومخالب الكلاب الضالة، وبعد أن شُفي “الثور” المكلوم من ذلك الحادث الأليم أعاده للعمل في المزرعة.. الا ان الثور فقد جزء من ذيله ولم يستطع صاحبه عمل شي في هذا الجزء من جسمه، وكان المزارع يستخدم الثور في الحراثة الا انه افتقد الذيل الذي كان يدير به حركة الثور يميناً ويساراً بل ويوقفه عن طريق سحب الذيل الى الخلف”بريك”.
.. فوجد المزارع أن الثور قد فقد جزء مهم من جسمه، وانه لا مفر في النهاية من بيعه، فقرر جلب الثور الى السوق الإسبوعي بالمدينة، وعرضه للبيع الا ان جميع من في السوق رفضو الشراء بسبب ذيل الثور المقطوع، وحاول المزارع بشتى الوسائل الترويج لثوره المكلوم الا أنه لم ينجح بالرغم من انزال سعره الى النصف، وفي نهاية السوق عاد المزارع الى مزرعته والخيبة تخيم على وجهه، وفكر بحل منقذ له من أجل تسويق بضاعته الكاسدة مرة أخرى..
فتوجه الى احد الجزارين القريبين منه قبل يوم السوق الجديد واشترى ذيل ثور مذبوح مقارب لونه للون ثوره وقام بايصاله بذنب ثوره بطريقة لا يتضح فيها اثر العملية، وتوجه به الى السوق وتم بيع الثور في نفس اللحظة وبالسعر المطلوب. وهكذا نجح المزارع بخدعته في بيع ثوره بعد ان غش أحد المشترين.. وبعد ان أخذ المزارع الجديد الثور فرحا مستبشراً، وقاصدا مزرعته وهو في الطريق وعلى أحد الجسور امسك بذيل الثور حتى يعدل مساره فانقطع الذيل بيده ولم يتوقف الثور..
وهكذا انتهت القصة بين بائع غاش لذمته وبين مشتري مغشوش لم يتفحص بضاعته قبل شرائها، ومن هذه القصة نستنتج أنه مهما كان ضررك أيها البائع من بضاعتك فلا يجوز لك أن تغش أخيك المسلم بها حتى وان خسرت تلك البضاعة، أو أن تبين للمشترى مابها من عيب، وأنت أيها المشتري هذا درس لك بأن تتفحص بضاعتك قبل دفع ثمنها وقبل استلامها.. ومالنا الا ان نتذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم “من غشنا فليس منا”.. والى قصة أخرى ذات “معنى ومغزى” بإذن الله تعالى.
التعليقات
تعليق واحد على "ثور المزارع – بقلم الكاتب أ. محمد غرمان العمري"
كنت دائما اتسائل لماذا لم يقل الرسول ( من غشنا فليس منا) لم يقلها الا في السوق ، والجواب السوق محل قوت الناس و لباسهم و منه ياخذون اسباب راحتهم ، وبالفعل عندما اشتري اي بضاعة ثم اجد فيها عيب و خلل لا يسعني وقتها إلا أن ادعو على صاحبها . وهذا اقل مايستحق ، حسبنا كلمة ليس منا ) . شكرا لك .