الإثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٣ شوال ١٤٤٦ هـ

التعدد “رؤية مختلفة” – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

التعدد “رؤية مختلفة” – بقلم الكاتب أ. محمد عبدالله بن شاهر

 

إن قوام الزواج بين الرجل والمرأة، المودة والرحمة قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، فمتى ما تحقق هذان الشرطان – المودة والرحمة – بين الزوجان كانت العلاقة بينهما أجدر بالاحترام والتقدير. وما دام عش الزوجية هادئاً ساكناً تسوده المحبة والانسجام، فلا أرى أي سبب للإقدام على مغامرة قد تعصف بهذا العش المليء بالمحبة والهدوء والسكن المتمثل في الطمأنينة والراحة والاستقرار..

فإذا ما تحقق السكون في هذا العش فما الداعي لإحداث الجلبة والضوضاء داخلة، ولا أخال هناك شخص عاقل يرضى بأن يهدم السكون الذي يعيشه لمجرد إشباع رغبة ملحة، ربما تكون نشأت في الزمان والمكان الخطأ، وستكون ثمارها في أغلب الأحوال الشوك والحنظل والذي سيعصف بذلك السكن الذي كان حالاً في ذلك العش، وعلى أقل تقدير سيحدث شرخاً في العلاقة الزوجية، ولربما ضعفت وشائج الود والمحبة والتقدير . التعدد الوارد في كتاب الله مبني لدى غالبية المقدمين عليه على الرغبة، لكن عند قراءة الآية المتعلقة بهذا الأمر نجدها تُجْتَزأ، ويركز فيها على موضوع جواز التعدد فقط، لكننا لو قرأنا الآية من أولها لوجدنا الأمر مختلف تماماً، فهو محكوم بالضرورة والحاجة، وليست الرغبة جزء من هذه الأسباب.

إن من يستندون لتحقيق رغباتهم العابرة إلى قوله تعالى: { ….فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ …… } النساء (3)، هم لا يرون من هذه الآية إلا جواب الشرط. ولا يرون الشرط الذي يسبق الجواب وهو قوله تعالى في أول الآية: { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى … ) إذا التعدد محكوم بوجود ما يستلزمه، وهو في هذه الآية الخوف من الجور والحيف في حقوق اليتامى، حيث كما هو معروف في الحروب كثرة الأسر التي تفقد عائلها، مخلفاً وراءه البنين والبنات اليتامى الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، لذا أبيح التعدد رأفة بهؤلاء الأطفال، ولا يتحصل ذلك إلا من خلال الزواج بوالدتهم ليتيسر للزوج الدخول والخروج عليهم دون حرج أو تهمة. والعدل الوارد في ثنايا الآية متعلق باليتامى، ويؤيد ما ذهبت إليه، وهو الأقرب إلى العقل والمنطق.

فإذا كان المعدد يأنس من نفسه إمكانية قيامه على رعاية هؤلاء اليتامى دون جور عليهم وتفضيل بينهم وبين أولاده، فله التعدد بوالدتهم، حتى يتمكن بحرية تامة من القيام على شؤونهم دون حرج أو مشقة. وإن كان لا يأنس من نفسه الإيفاء بهذا الشرط، فليبقى على زوجته وأبنائه. وتعليق الله عز وجل التعدد بهذا الشرط ليس على سبيل الحصر، إنما جاء هنا كمثال لتبيين ضرورة وجود السبب للتعدد. والتعدد له أسباب مختلفة، فمنها ما جاء في الآية السابقة. ومنها من كانت زوجه لا تنجب، أو كان هناك خلل في الحياة الزوجية، وافتقاد السكن القائم عليه الزواج، وغيرها من الأسباب التي تكون أسباباً مباشرة محققة للعدالة للقيام بهذه الخطوة الخطيرة على البيت والأسرة.

فليت الناس يعقلون هذا الأمر ولا يقدم أحدهم على ما قد يكون سبباً لتمزيق عش الزوجية، والدافع الوحيد لهذا الإقدام هو الرغبة فقط. إذا كان الزوجان تحوطهما المحبة والألفة والاستقرار ورزقهما الله الأولاد، فهذه من أجل النعم وأعظم العطايا التي يجب على الزوجان شكرها والثناء على الله بما هو أهلة، ثم تقدير المرأة واحترامها بأن هيئت للأسرة هذا الجو من الاستقرار والمحبة فلا تضار بما يجرح شعورها ويضر باستقرارها النفسي، فمن الأولى على الزوج أن يقدر هذا الأمر ويشكر للزوجة هذا الجانب المشرق من الحياة، فلا تدفعه رغبة عابرة إلى هدم هذا الاستقرار بالإقدام على الزواج من أخرى استجابة لتلك الرغبة، فكم من بيت عامر هدمته رغبة عابرة، أو شرخت جداراً قائماً كان قوامة الحب والاستقرار والسكون.

وإنني أدعو وزارة العدل بحكم الاختصاص، النظر في هذا الأمر من خلال وضع التنظيمات الضرورية التي تكفل حقوق الزوجة الأولى وتحقق أحاكم هذه الآية، وهذا سيؤدي إلى الحد من الطلاق الذي أصبح أمراً مقلقاً في المجتمع، ويحتاج من القائمين على هذا الشأن دراسته والعمل على الحد من آثاره المدمرة على الأسرة والمجتمع.

حافظوا على أعشاشكم الساكنة واحذروا من تمزيقها بأيدكم انسياقاً وراء رغبات عابرة.

حفظكم الباري
M1shaher@gmail.com

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *