عرفته اسما لامعا وقامة كبيرة منذ بواكير حياتي ومع بداية اهتمامي بالفعاليات الثقافية. كانت أخبار نشاطاته ملء الصحف والمجالس ولم يلبث أن تسلم مهام كبيرة في القطاع الخاص ثم القطاع الحكومي لعدة عقود. خلال هذه المراحل أخذ وأعطى الرجل الكثير في مدارات المال والجاه. وكان بحق شخصية مثيرة للجدل في معظم تحركاته وآرائه التي جذبت قسما من الشباب لمتابعته خاصة في هموم الثقافة والفكر والوطن.
كان – بكل أمانة – طيلة سنوات عمله صاحب فكر ورؤية. وخلال مسيرته قدم ونفذ مشروعات ومبادرات ذات بصمات في كل عمل أو ملف تسلمه أو طلب منه إبداء مرئياته. وحين ترك العمل الرسمي كان حينها على مشارف السبعين. توقعت وقتها أنه سيعلن نهاية مرحلة المزاحمة والمشاكسة ويميل إلى الهدوء وربما يزيد رصيده في العمل التطوعي ومجالسة أبنائه وأسرته التي – كما قال لي ذات مساء – لا يعرف كثيرا من تفاصيل حياتها واهتماماتها لانشغاله في سنوات الكد والكفاح.
ولكن ما أزعجني وازعج محبيه وأثار القلق هو أن هذا الإنسان لا يريد مغادرة المشهد بعد قرابة خمسة وأربعين عاما من النشاط والحركة في اتجاهات كثيرة. ومع ما بيني وبين صاحبنا هذا من مودة متصلة عبر العقود الماضية إلا أنه كان يتجاهل أسئلتي الكثيرة عن استمرار مماحكاته “وتشرهاته” على هذا وذاك. من جهتي كنت ومازلت أقدر كفاحه وهو دوما يقدر أسئلتي المشاكسة منذ التقيته أول مرة وقليل من الشيب وقتها كان قد بدأ يتسلق شعر رأسه.
انقطعنا لفترة ثم التقيته ذات مساء فرأيت وجهه متورما بعافية اصطناعية ولما اقتربت للسلام ورأى سؤالا في عيني رد بسرعة: ما عليك مما يقول الشعراء “بل العطار قد يصلح كثيرا مما أفسد الدهر” لماذا لم تحضر افتتاح مركزي الاستشاري؟ ابتسمت وقلت ليت عندي بعضا من همتك وصبرك على مقارعة الزمن والناس. ردّ بسرعة وفي نبرته احتجاج هل هذا مدح أم ذم؟
فأجبته: بل أسئلة حائرة وعجب مما تصنع بعقلك وجسدك. فقال ماذا تعني؟ فقلت أنت تعرف ما أعنيه. هل تذكر حينما كنت تحدثني عمن لا يستحي من إلحاحه ليكون حاضرا في كل مناسبة ومشاركا في كل ندوة وضيفا في كل ملتقى. تجاهل صاحبي كلامي ثم قال: هل سمعت أني مرشح للموقع الفلاني. قلت لم أسمع شيئا، ولكني أرى عقلا قلقا وجسدا منهكا.. يا صاحبي: أمَا آن لهذا الجسد أن يستريح
– قال ومضى: اطمئن فلم أمنحك يوما شرف أن تكون من خصومي.
التعليقات