الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ الموافق ٢٢ شوال ١٤٤٦ هـ

الجهوة

الجهوة

 

قد يكون ملفتًا للنظر إطلاق وصف (مدينة) على قرية الجهوة الصغيرة الواقعة على ضفاف وادي النماص، ببلاد بني شهر التي لا يتجاوز سكانها 150 نسمة في هذا العصر، وعندما يطلق على قرية الجهوة تلك الصفة فإنما يقصد بذلك قيمتها التاريخية التي كانت عليها قبل عام 320 هـجرية حينما تحدث عنها أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني في تلك الحقبة يوم أن كانت قاعدة لسلطنة صغيرة يرأسها جابر بن الضحاك الربعي من بني الحجر فقد أورد في كتابه “صفة جزيرة العرب” عنها: أنها أكبر مدينة السراة، وأنها أكبر من مدينة جرش، وصاحبها هو جابر بن الضحاك الربعي من نصر بن ربيعة من الحجر.

تقع هذه المدينة التاريخية على حافة وادي النماص من الجنوب، ويبدو أن الأيدي قد امتدت إليها وغيرت معالمها القديمة، بل ونقلت أغلب أنقاضها إلى جهات أخرى في وقت متقدم جدا. وعلى تحديد مدينة الجهوة القديمة بجبل الصفح من الشرق، وجبل شعير من الجنوب، وجبل القو من الشمال، وغربا جبل العديف المطل على وادي خاط التهامي الذي ذكره الهمداني في “صفة جزيرة العرب” فإن عوامل الزمن قد اقتطعت أغلب هذه المساحة، وجعلتها مزارع، وحفرت زواياها الآبار العميقة، إلا أن تلك المدينة العريقة احتفظت بأساساتها القديمة، وسورها المنيع خصوصا من جهة الوادي، فاكتفى الناس بنقل ما خف من أنقاضها، وأقام سكانها الحاليون مساكنهم على أساساتها القديمة.

وعلى بعد نصف كيل تقريبا عن القرية الحالية تشاهد موقع منجم يبدو أنه كان منجم تعدين، بدليل وجود كسر الفخار، وخبث الحديد على أرض ذلك المنجم، ويخبر بعض أهل القرية بأن بعض الحفارين من أهلها حين حفر أساسا لبيته الذي بناه على الأنقاض القديمة وجد سكة من الذهب ودراهم ، كما وجد بها لوحة رخامية مكتوب عليها كتابة قديمة، وأن تلك اللوحة بقيت بساحة القرية مدة ليست بالقصيرة ثم كسرت وبني بها تحت الانقاض..

ويقول الشيخ عثمان بن رافع بن حامد إمام مسجد الجهوة على آثار سوق كانت شرقي الجهوة، والشيخ عثمان يبلغ من العمر ما يقارب العقد العاشر، ورغم بلوغه هذه المرحلة فإنه يتمتع بصحة جيدة وحيوية كاملة، قوي السمع والبصر، ولم يبخل الشيخ عثمان على سني عمره فهو يقول: إنه يبلغ مئة وعشرة أعوام، ولكنه باستقراء الحوادث التي عاصرها يظهر أن عمره يبلغ مئة عام وهذا بعد المقارنة بين تاريخ وقتنا الحالي وبين حوادث عام 1294 هجرية (ألف ومئتين وأربعة وتسعين) أثناء حكم الوالي التركي أحمد فيضي باشا في عسير، عندما سألناه عنها باعتباره من معاصري تلك الحروب إذا صدقت روايته عن تحديد عمره،

وطلبنا من الشيخ عثمان بن رافع الإدلاء بمعلوماته عن مدينة الجهوة تاريخيا وجغرافيا وعن الجهوة أيضا كقرية في عصرنا الحالي فقال: هذه هي الجهوة التي أنتم بساحتها نسمع من آبائنا الأولين أنه كان يحكمها سلطان اسمه جابر بن الضحاك، وكانت كبيرة يحدها من الجنوب جبل شعير، ومن الشمال جبل القو، ومن الشرق جبل الصفح، ومن الغرب جبل العديف المطل على وادي خاط بتهامة بني شهر. وقال: إن أغلب أنقاضها قد نقل إلى القرية وأشار إلى مدينة النماص، الواقعة في الاتجاه الغربي عن الجهوة فقلت: لعلك تشير إلى مدينة النماص قال: نعم إنها تسمى القرية، ولم يطلق عليها اسم النماص إلا بعد أن وصل الأتراك إليها.

وبحثنا معه ومع بعض من حضر من أهل الجهوة عما إذا كان لديهم معلومات عن اشتقاق اسم النماص فقالوا: نعرف أن في وادي النماص شجرا يسمى النمص، وهو من صغار الشجر ينشأ على جوانب الوادي، وهناك أيضا بئر النمصة، لا زالت محاصرة في حافة الوادي، وتسقي ما حولها من المزارع، فذهبت إلى بئر النمصة فإذا هي عامرة وقابلة للاستعمال، ولهذا فإنه في حكم المؤكد أن اسم النماص أو مدين النماص مشتق من اسم المكان، وهو الوادي، كما أن اسم الوادي مضاف إلى اسم شجر النمص النابت فيه، وقد أشارت معجم اللغة العربية بأن النمص نبت صغير يعمل منه صغار الأواني الخصفية إذن فعلى تحديد الشيخ عثمان بن رافع – إذا أخذ في الاعتبار – تحديد الجهوة بجيل العديف فإن مدينة النماص تصبح داخله ضمن تحديد مدينة الجهوة التاريخية حين وصفها الهمداني في القرن الرابع الهجري، فقد أورد ذكر عقبة العديف في كتابه “صفة جزيرة العرب” قال: عقبة تصب مياهها إلى خاط، وهو واد، وساكنه بنو عامر الغورية من بني الحجر، وبخاط نخلات. قلت لا زالت عقبة العديف تحمل اسمها حتى عصرنا الحالي، ولعل إطلاق اسم العديف على العقبة من باب إطلاق اسم الكل على الجزء وإلا فإن الجبل الممتد من الجنوب الغربي عن مدينة النماص يطلق عليه اسم العديف، وقد سألت بعض وجهاء مدينة النماص عن بعض معالمها ومن ذلك جبل العديف وعقبة سنان الواقعة غرب مدينة النماص تماما المطلة على وادي خاط – وذلك أثناء زيارتي لمدينة النماص عام 1402 هجرية فقال: هذا جبل العديف – وأشار إليه – ويقع جبل العديف في الجنوب الغربي عن مدين النماص، ويمتد جنوبا بمسافة ثلاثة أكيال، وهناك مدخل عقبة العديف التي تنزل إلى وادي خاط، والتي أشار إليها الهمداني ولا زال هذا الجبل يحمل اسمه حتى الآن ثم قال محدثي: أما عقبة سنان فهي تنسب إلى القائد التركي سنان أغا، حيث نزلها إلى وادي خاط، ثم منها إلى القنفذة، وتقع عقبة سنان في الاتجاه الغربي تماما عن مدين النماص، وهي تنزل من أقرب نقطة موصلة إلى زادي خاط ، ولا زالت مطروقة حتى الآن.

غير أن لي ملاحظتين تاريخيتين على هذه الرواية عن سنانا أغا.

الملاحظة ألأولى: أن سنان أغا قتل في عقبة شعار عام 1233(؟) هجرية أثناء المعركة التي جرت بين الجيش التركي وجيش أمير المخلاف السليماني الشريف حمود (أبو مسمار)، وكان سنان أغا قائد الحملة التي جاءت لمحاربة الشريف حمود أثناء استيلائه على عسير عام 1233 هجرية في العام نفسه.

الملاحظة الثانية: أن الأتراك لم يتخذوا من النماص قاعدة لحكمهم في بلاد بني شهر إلا في عام 1289 هجرية حين سقطت إمارة محمد بن عائض في يد القائد التركي رديف باشا، اللهم إلا إذا كان سنان أغا زار المنطقة قبل مقتله في عقبة شعار فهذا جائز، أو كان هناك قائد تركي اسمه على اسم سنان أغا فهذا وذاك ممكن، وعلى كل حال فالعقبة مشهورة باسم سنان، ولا زالت مطروقة وقد حلت محل عقبة العديف، ومن الملاحظ أن عقبة سنان هي أقرب نقطة موصلة مابين سلسلة جبال السراة فالبحر الأحمر إذ المسافة منها إلى القنفذة عن طريق وادي خاط فجمعة ربيعة فقوز بلعير تقدر بحوالي مئة وعشرة أكيال تقريبا، ولهذا اتخذ القائد التركي رديف باشا من سطح النماص قاعدة لقواته المتمركزة ببلاد بني شهر يوم أن كانت وسائل النقل متوقفة على الدواب، وذلك أثناء احتلاله لعسير عام 1289 هجرية.

وسالت بعض أهل النماص عن اسمها القديم قبل أن تكون مدينة فقال: كانت تسمى القرية……….. ويبدو ………أنه عندما اتخذها القائد التركي رديف باشا عام 1289 هجرية مقرا لقاعدة بني شهر غلبت على اسم الوادي النماص من باب التغليب.

وتقع مدينة النماص على بعد مئة وخمسين كيلا عن مدينة أبها عاصمة منطقة عسير في الاتجاه الشمالي وتمتاز بموقعها الجغرافي و(الاستراتيجي) فهي من الناحية الجغرافية تتربع على أعلى قمة من سلسة مرتفعات السراة، بحيث ترتفع عن سطح البحر الأحمر بحوالي ثلاثة آلاف متر، وتطل من جهتها الغربية على منحدرات وادي خاط المار ذكره، وتتوفر بها جميع الخدمات الحكومية على مختلف المستويات الإدارية والعمرانية ولهذا فإن النهضة العمرانية قد ازدهرت في هذه المدينة الجميلة، ومن الملاحظ أن حركة العمران بها أخذ يمتد من الجنوب إلى الشمال على امتداد طريق أبها الطائف بدءا من التلال الواقعة جنوب المدينة متجها إلى الشمال حتى مشارف وادي صدرئيد، في مسافة تقدر بعشرة أكيال أما من الجهة الشرقية فهي في حلبة سباق مع مزارع وادي النماص، وربما تقضي على تلك المزارع الجميلة التي تعتبر تحفة من تحف تلك المرتفعات الغناء، بينما نجد أن العمران من الجهة الغربية أخذ يتسلق الجبال المحيطة بالمدينة، حتى رأس عقبة سنان المطلة على وادي خاط، أما من الناحية (الاستراتيجية) فهي تمتاز لتوسطها بين قرى قبيلة بين شهر تلك القبيلة التي عرفت في أطوار التاريخ بقوة شكيمتها وصدق إيمانها ووفادتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه بعض رجالاتها ومشاركتها في الفتوحات الإسلامية، وبروز بعض مشاهيرها ومنهم عمرو بن حمالة الحجري، الذي قاد الجيش حين بعثه عمرو بن العاص فاتح مصر رضي الله عنه – لصد مراكب الروم التي حاولت استعادة الاسكندرية بعد فتحها ، ومنهم علقمة بن جنادة بن عبدالله بن قيس الحجري من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – وسيأتي لهذه القبيلة العريقة ذكر في كتابنا “المعجم الجغرافي” إن شاء الله.

سوق الرس البائدة في مدينة الجهوة الأثرية: ليس غريبا أن يكون هناك سوق في مدينة عرفها التاريخ منذ العصر الجاهلي، فلقد وصفها الهمداني في مطلع القرن الرابع الهجري بأنها مدينة السراة وأنها أكبر من جرش، وهذه شهادة تاريخية تجعل مدينة الجهوة الأثرية في مصاف المدن الكبار في الجزيرة العربية، في عصر قل أن تتوفر فيه معالم حضارة متميزة، سيما آثار المناجم التي هي من أبرز الآثار التاريخية.

وسألنا غرم بن ظافر بن جاري – ويلفظونه بابدال الجيم ياء. هكذا – ياري – سوق الرس فقال: كان يقال إن بسفح جبل الصفح آثار سوق يسمى الرس، هذا ما سمعناه من آبائنا الأولين، وقد شاهدنا فيه بعض المباني ولكن الجبل مسح وبني عليه مساكن، كما تشاهدون، ولم يعد لتلك المباني القديمة أثر.

وأضاف قائلا: إن الجهوة كانت تمتد إلى جبل شعير في الجنوب وإلى جبل الصفح في الشرق، وشمالا إلى جبل القو وإلى العديف في الغرب، ولكن جرت على أهل الجهوة حروب طاحنة من القبائل المجاورة لها مما جعلها تفقد قوتها وقال: إننا سمعنا من آبائنا السابقين ولازلنا نسمع من كبار السن أن السلطان جابر الضحاك سلطان الجهوة بلغت حدود إمارته إلى بلاد زهران في الشمال، وقابلنا شخصا اسمه عبدالرحمن بن أحمد من أهل الجهوة وتطابقت أقواله من أقوال غرم بن ظافر عن مساحة مدينة الجهوة القديمة وحدودها وموقع سوق الرس، ورافقنا إلى جبل الصفح علنا نظفر ببعض أساسات لموقع سوق الرس غير أن الأرض مسحت فزالت المعالم وبني على أنقاضها … من البناء المسلح، ولم يعد في الامكان العثور على معالم لتلك السوق ولكن عبدالرحمن عندما أوقفنا على سفح جبل الصفح قال: إن مدينة الجهوة كانت تصل إلى هنا وقال: إنها مسحت وأحدث على أنقاضها هذه المزارع التي تشاهدونها ثم قال عبدالرحمن: هيا بنا إلى الخرب وأشار إلى قمة صغيرة تقع بسفح جبل اسماه عبدالرحمن بجبل القرن، فمشينا معه من وسط تلك المزرعة الجميلة التي أحدثت على أنقاض مدينة الجهوة وكانت مزروعات تلك المزرعة تختال وتتمايل ذات اليمين وذات الشمال بسنابلها اليانعة وبساتينها الخضراء، ومما يلفت النظر وجود آبار قديمة على جوانب تلك المزارع، محفورة في صخر صلب، عميقة الغور، بعيدة العمق، كثيرة الماء وهذه مزية لم أجدها في غير مدينة الجهوة الأثرية، واتجه بنا مرافقنا عبدالرحمن بن أحمد بعد اجتيازنا لمزرعة إلى الخرب، وهو موقع على تل صغير، في شرقي جبل الفرن، في الاتجاه الجنوبي عند مدينة الجهوة، وهناك شاهدنا آثار افران يبدو أنها مصانع للتعدين، بدليل وجود كسر الفخار وفتات من خبث التعدين شبيهة بعصارة من الطين المعجون، ويبدو أن تلك الإفرازات إفرازات تعدينية تشبه إفرازات الحديد المحرق.

وإذا كانت مشاهداتي عن مدينة الجهوة الأثرية مبنية على الظواهر فإن البحث الأثري الذي يعتمد على الحفر والتحليل الأثري كفيل بكشف دفين آثار الجهوة وحضارتها العتيقة، فما أنا في هذا البحث إلا كمن يسير في مهمه من الأرض، واسع الجوانب مترامي الأطراف، عله يرسم بعض علامات أو خطوات أولى لمن يظن انه سيستوفي شروط العمل فالطريق لا زال مفتوحا أمام شبابنا سيما وأن عليهم مسؤولية كبيرة نحو البحث عن مصادر حضارة أمتنا المجيدة التي خلفت للأجيال ثروة حضارية طالما تناولها الأجانب بأقلامهم المسمومة ونقلوا عنها ما كنا أولى بنقله وتدوينه.

ويبدو أن مدينة الجهوة كانت محاطة بسور منيع إلا أن لم يبق منه سوى أساسات قليلة في شمال القرية القائمة الآن على حافة الوادي المجاور للمدينة من الشمال، وقد دلنا عليه الشيخ عثمان بن رافع بن حامد، وهو مبني بالأحجار ذات الحجم الكبير.

ومدينة الجهوة طيبة المناخ، معتدلة الجو، تحيطها المزارع من جهاتها الأربع، ولهذا تجد أثر اعتدال جوها في ملامح أهلها وصفاء ألوانهم، وصحة أجسادهم،وقوة عضلاتهم، وإذا كان عمر كل من غرم بن ظافر وعبدالرحمن بن أحمد اللذين زوداني بمعلومات قيمة عن الجهوة تقارب خمسة وسبعين عاما فإن كلا منهما يتصف بالقوة الجسمية النادرة، ولقد كان تقديري لسنيهما حسبما بدا لي أقل بكثير عما ذكرا لي قلت: إنها في العقد الرابع من مراحل عمريهما فابتسما وقالا: إننا لم نتغذ بالمعلبات، وإنما كانت عيشتنا من محاصيل مزارعنا ومواشي أرضنا، ولكني أضيف إلى ذلك أصالة العنصر، واعتدال المناخ، وطيب الهواء، ولا غرابة عن تأثير جو ترعرع على سطحه ونشأ في ربوعه بطل العدائين، واحد الشعراء المفلقين والفرسان المغيرين صاحب لامية العرب ثابت بن أوس الحجري، المعروف بالشنفرى فقبيلته التي ينتهي إليها لا زالت في منازلها من هذه البلاد، حتى الآن، ويعرفون ببني يوس – بإبدال الهمزة ياء – وهذا كثير في اللهجات المحلية.

وتقع ديار الشنفرى من الجهوة على بعد أربعين كيلا في الاتجاه الشمالي حول آل خشرم من بني الأثلة، على طريق النماص إلى الطائف.

ورواية الشيخ علي بن عبدالرحمن العسبلي من وجهاء مدينة النماص تتفق مع رواية الشيخ عثمان بن رافع ورفقائه من أهل الجهوة حول تحديدها واشتقاق اسم (النماص) وأنها كانت تسمى قبل اتخاذها مقرا لحامية ألأتراك كانت تسمى (القرية) وكانت بئر النمصة في وسط المزرعة بين مدينة الجهوة والقرية – أي النماص – وكان يحيط ببئر النمصة شجر النمص، ثم اطلق اسم البئر وما حولها من شجر النمص على وادي النماص، وأخيرا أطلق هذا الاسم على مدينة النامص، التي حلت محل مدينة الجهوة القديمة وذلك بعد اتخاذ الأتراك موقع مدينة النماص مقرا لحكمهم. وقد زار المنطقة القائد التركي سنان أغا وأمر بفتح العقبة المعروفة باسمه عقبة سنان، الواقعة على رأس الطور، في الاتجاه الغربي عن مدينة النماص، وقال الشيخ علي العسبلي: إن سنان أغا فتح العقبة أثناء زيارته للنماص، قبل استيلاء رديف باشا على عسير.

وأضاف: إن العسابلة مشايخ بني شهر، اتخذوا القرية مقرا لمشيختهم،وأسسوا بها عدة حصون كبار قديمة، منها حصن ثربان أسسه الشيخ فايز بن غرم العسبلي، وأسس أيضا حصن عابس،كما أسس الشيخ جاري بن ظافر العسبلي حصن مشرف، ولا زالت تلك الحصون ماثلة أمامكم لم تتغير، بتغير الزمن، هكذا رواية الشيخ علي بن عبدالرحمن العسبلي ولقد أخذنا لقطات لتلك الحصون باعتبارها أثرا من حضارتنا الأصلية كما أخذنا لقطات بآلة التصوير لأساسات مدينة الجهوة الأثرية التي مضى عليها أكثر من ألف عام. ومع الأسف لم أتمكن أثناء زيارتي لمدينة الجهوة للمرة الأولى والثانية من التنقيب عن النقوش الأثرية خصوصا في جبل شعير الواقع جنوب مدينة الجهوة، حيث تقع الصخور الكثيرة القابلة للنقش الأثري، سيما وقد أخبر بعض أهل الجهوة أنها لا تخلو منها.

أما أطلال المدينة فإنها لا زالت ماثلة منذ عهدها القديم ويا حبذا لو احتفظ أهل مدينة الجهوة وأهل مدينة النماص بالطابع القديم من آثارها – حصونها وأساساتها القديمة التي احتفظت بطابعها القديم منذ آلاف السنين، فهي جديرة بأن تحظى من أبنائها بالاهتمام ولقد تجولت في ساحة البقية الباقية من آثار مدينة الجهوة فبهرني ما شهدت من بقايا أطلالها ولا سيما حجم عظم الحجارة التي أسست بها تلك المدينة البائدة، فقد قست طولها بالمتر فوجدت أن طول بعضها متر ونصف متر، في عرض متر أو أكثر في الوقت الذي لا توجد فيه الآلات المتحركة من الرافعات مما يدل على أن هناك أمة كانت قوية دفعت بحضارتها إلى الأمام، ناهيك بسور مدينة الجهوة الذي احتفظ ببعض أساساته على جانب وادي النماص شمال الجهوة ولكن مع الأسف فبعض أطلال مدينة الجهوة تغيرت بفعل أهلها حيث بنوا عليها مساكن، وغيروا من مظهرها القديم، بتلييس جدرها بالاسمنت، مما سبب تغير بعض معالمها.

ولقد تجولت في مدينة النماص القديمة فوجدتها شبه مهجورة حيث انتقل أهلها إلى أحياء جديدة مصممة على الطراز الحديث وأصبح ذلك الحي القديم الذي كانت تحفة المزارع من جهاته الأربع وكان يحكي جانبا من ملامح الفن المعماري الأصيل أصبح يندب نفسه ويودع دنياه وإذا كان لي من كلمة فإنني ألفت نظر المسؤولين في إدارة الآثار في المنطقة بأن تعير اهتمامها تراثنا الحضاري سيما تلك البقايا من أطلال مدينة الجهوة والتي مضى عليها فوق ألف عام، وهي تصارع عوامل الطبيعة، وكذا حي النماص القديم وحصنا ثربنا وعابس اللذان أسسهما الشيخ فائز بن غرم العسبلي وحصن مشرف الذي أسسه الشيخ جاري بن ظافر العسبلي فهي تعتبر من أبرز آثار المنطقة.

وفي زيارتي لمدينة النماص دخلت حصن عابس وتجولت في غرفه المهجورة، وشاهدت جناحا من باب مدخله فأعجبت بنقوشه وزخرفته، وهو من صنع محلي ولكنه يحكي جمال الفن قل ان يستطيع فنان في وقتنا الحاضر أن يأتي بمثل تلك الزخارف وشاهدت فوق مدخل الحصن في واجهته الشرقية صورة سيف عربي وإلى جانبه نقشة ترس تمثل رمز الشجاعة والأصالة العربية وأسفت لتداعي تلك الحصون إلى الخراب وبما أن بحثي هذا يعتبر بحثا أثريا فليس من شانه الدخول في تفاصيل عن تلك الطفرة السكانية لمدينة النماص والنهضة العمرانية في هذا العصر الزاهر فذاك لون آخر ويحتاج إلى بحث واف.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *